أسامة الجهني

ديناميكيات العلاقات بين الهند والصين داخل المنظمات المتعددة الأطراف

علاقات دولية

في المشهد السياسي العالمي المترابط بشكل متزايد، أصبحت ديناميكيات العلاقات بين الهند والصين داخل المنظمات المتعددة الأطراف نقطة محورية مثيرة للاهتمام. إن التفاعلات بين هذين العملاقين الآسيويين ضمن أطر مثل الأمم المتحدة، ومجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، والحوار الأمني الرباعي (Quad) تسلط الضوء على الاستراتيجيات السياسة الخارجية والتطلعات الإقليمية لكلا البلدين.

التحول من التعاون إلى المنافسة

تبحث المضيفة تانفي مادان، وهي زميلة بارزة في معهد بروكينجز، في هذه الشبكة المعقدة من العلاقات في بودكاست بروكينجز الجديد بعنوان “الهند العالمية”. وينصب تركيز هذا بودكاست على تشريح العلاقة الدقيقة بين الهند والصين، حيث ينضم إليها في هذه المناقشة ضيفان مرموقان: السفير سيد أكبر الدين، الممثل الدائم السابق للهند لدى الأمم المتحدة، وإندراني باجشي، المحرر الدبلوماسي السابق لصحيفة تايمز أوف إنديا والرئيس التنفيذي الحالي لمركز أنانتا في نيودلهي. أثار هذا البودكاست الشيق سؤالين أجدهما مثيرين للإهتمام، الأول : ما هو منظور الهند بشأن النهج الذي تتبعه الصين في منظومة الأمم المتحدة؟، أما الثاني فهو: كيف تنظر الهند إلى سعي الصين لقيادة المنظمات الدولية؟، في محاولة لتقديم فهم عميق لواحدة من أهم العلاقات الثنائية التي تشكل القرن الحادي والعشرين.

في عام 2009، كانت ديناميكيات العلاقات بين الهند والصين داخل هذه المنظمات مختلفاً بشكل ملحوظ. فقد توسعت قمة بريك في ذلك العام، والتي ضمت روسيا والبرازيل إلى جانب الهند والصين، لتصبح بعد ذلك البريكس مع ضم جنوب إفريقيا. وعُدت هذه المنتديات بمثابة منصات للتعاون بين الاقتصادات الناشئة. كما انضمت الهند أيضًا إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي المجموعة التي تقودها الصين وروسيا، مما يشير إلى مرحلة جديدة من التعاون. مع ذلك، نجد الهند والصين في كثير من الأحيان على طرفي النقيض ضمن هذه المنظمات متعددة الأطراف، فعلى الرغم من وجود مواقف يتفق فيها البلدان، خاصة بشأن بعض القضايا العالمية، إلا أن علاقاتهما تتسم بزيادة الطابع التنافسي، وأحياناً تصل إلى درجة الخصومة الواضحة.

دور التوترات الثنائية

ومن الممكن أن يُعزى هذا التحول من التعاون إلى المنافسة إلى عوامل مختلفة، منها حماية المصالح الاستراتيجية. على سبيل المثال، في منتديات مثل مجموعة البريكس، عمل ممثلو الهند على التصدي للمبادرات الصينية، مثل مبادرة التنمية العالمية، ومنع تأييدها في بيانات مشتركة، ما يعكس هذا اتجاهاً أوسع من إصرار الهند المتزايد على حماية مصالحها الاستراتيجية.

الجنوب العالمي والمستقبل

إن أحد الجوانب المهمة لهذه الديناميكية هو دور الجنوب العالمي، وتتنافس كل من الهند والصين على النفوذ في هذه المجموعة الواسعة والمتنوعة من البلدان. وكثيراً ما يُنظر إلى استراتيجياتهما في السياقات المتعددة الأطراف على أنها مقياس لطموحاتهما الجيوسياسية الأوسع. إن العلاقة بين الهند والصين داخل هذه المنظمات الدولية ليست مجرد قضية ثنائية ولكنها انعكاس لاستراتيجياتهما وتطلعاتهما العالمية.

وجهة نظر الهند بشأن دور الصين في منظومة الأمم المتحدة

تطور استراتيجية الصين في الأمم المتحدة

تطرق السفير أكبر الدين، في معرض حديثه، إلى التحول الكبير في نهج الصين داخل الأمم المتحدة على مدى العقود القليلة الماضية. ففي أوائل التسعينيات، لعبت الصين، مثلها كمثل الهند، دوراً وصف بأنه دفاعي، فقد شاركت بشكل ضئيل في القضايا العالمية، ولكنها تدخلت بشكل رئيسي عندما كانت مصالحها الأساسية على المحك. ومن الأمثلة البارزة على ذلك استخدام الصين حق النقض ضد انضمام بنجلاديش إلى الأمم المتحدة في السبعينيات، وكان ذلك بعد وقت قصير من انضمام الصين إلى المنظمة.

ولكن مع ازدهار اقتصاد الصين وتوسع نفوذها العالمي، أصبح موقفها داخل الأمم المتحدة أكثر حزماً بشكل ملحوظ. وأصبح هذا التحول واضًحا بشكل خاص في الفترة 2007-2010. وأشار السفير أكبر الدين إلى مساهمات الصين المالية المتزايدة في الأمم المتحدة كمؤشر واضح على هذا التغيير. ففي البداية كانت مساهمة الصين أقل من 2% من ميزانية الأمم المتحدة، ثم ارتفعت حصة الصين الآن إلى 15% من الميزانية العامة و 18% لعمليات السلام والأمن.

وسلط السفير أكبر الدين الضوء على دور الهند في الأمم المتحدة، حيث شهدت مساهمات الهند في ميزانية الأمم المتحدة زيادة متواضعة من حوالي 0.6-0.7% في التسعينيات إلى ما يزيد قليلاً عن 1% اليوم. وكان نمو الهند في منظومة الأمم المتحدة معتدلاً نسبياً، خاصة بالمقارنة مع الصعود الهائل للصين. ومع ذلك، فإن وضع الهند كعضو غير دائم في مجلس الأمن يعفيها من بعض الرسوم المالية الإضافية، مما يؤثر على مستويات مساهمتها. إن التغيير الجوهري في النهج الذي تتبناه الصين في التعامل مع الأمم المتحدة يدل على رغبتها في الحصول على تأثير أكثر وضوحًا في النظام المتعدد الأطراف. ولا يعكس هذا التطور طموحات الصين العالمية المتنامية فحسب، بل يطرح أيضًا اعتبارات استراتيجية للدول الأخرى، وخاصة الهند.

وجهة نظر الهند بشأن سعي الصين للقيادة في المنظمات الدولية

في مشهد السياسة العالمية دائم التطور، لم يمر سعي الصين نحو أدوار قيادية في المنظمات الدولية دون أن يلاحظه أحد. وتشير هذه الخطوة الاستراتيجية، التي تم تسليط الضوء عليها في تقرير اللجنة الصينية الصادر مؤخراً بتكليف من الكونجرس الأميركي، إلى تحول حاسم في الديناميكيات الدولية. ولفهم وجهة نظر الهند بشأن هذا التطور، يلقي إندراني باجشي، المحرر الدبلوماسي السابق لصحيفة تايمز أوف إنديا والرئيس التنفيذي الحالي لمركز أنانتا في نيودلهي، الضوء على هذا الموضوع.

تحرك الصين الاستراتيجي نحو الأدوار القيادية

على مدى العقد الماضي، كانت الصين تضع نفسها بشكل منهجي على رأس المنظمات الدولية الرئيسية، وهو التحول الذي لاحظ باجشي أنه لم يكن من قبيل الصدفة بل عن قصد. وتعكس زعامة الصين في هذه المنظمات، والتي يشكل بعضها كيانات رئيسية داخل الأمم المتحدة، طموحاتها الأوسع للتأثير على الحوكمة والسياسة العالمية. ويشير باجشي إلى التباين الصارخ بين الهند والصين في مشاركتهما في الأمم المتحدة. ففي حين حققت الهند نجاحات في الفوز بالانتخابات داخل نظام الأمم المتحدة، فإن جهودها في الضغط من أجل الحصول على مناصب قيادية بدأت في وقت متأخر بكثير عن جهود الصين. وقد ساهم هذا التأخير في التفاوت الحالي في نفوذ كل منهما داخل هذه المنظمات.

إن أحد العوامل المهمة في هذه الديناميكية هو وضع العضوية غير الدائمة للهند في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وكثيراً ما أدى هذا القيد إلى إعاقة طموحات الهند ونفوذها في عمليات صنع القرار العالمية. وفي المقابل، تتمتع الصين، باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن، بقوة ونفوذ كبيرين، وغالباً ما تستخدم عضلاتها الاقتصادية والسياسية لدعم مواقفها ومرشحيها في الانتخابات الرئيسية داخل نظام الأمم المتحدة. وعلى الرغم من التحديات، أظهرت الهند قدرتها على حشد دعم كبير في انتخابات الأمم المتحدة، وغالباً ما فازت بشكل حاسم أو حتى بالإجماع. ومع ذلك فإن النهج الحازم الذي تتبناه الصين، المدعوم بقوتها الاقتصادية وضغوطها الاستراتيجية، يمكنها من ممارسة نفوذ كبير في المنظمات التي تتخذ قرارات عالمية حاسمة.

خاتمة

ن الديناميكيات المتطورة لسعي الصين إلى القيادة في المنظمات الدولية تفرض تحديات واعتبارات استراتيجية بالنسبة للهند. ورغم أن الهند أظهرت كفاءة في التعامل مع هذه المنظمات، فإن التفاوت في النفوذ، وخاصة في سياق عضوية الصين الدائمة في مجلس الأمن، يسلط الضوء على جانب بالغ الأهمية من سياسات القوى العالمية. إن فهم هذا المشهد ضروري لفك رموز مستقبل العلاقات الدولية والدور الذي سيلعبه كلا البلدين على المسرح العالمي.

انتهى